التغيير الفكري والارتقاء الوعيي

grouchsy@yahoo.fr

التغيير الفكري والارتقاء الوعيي هما رحلة وجودية تفرض على الإنسان أن يعيد تشكيل علاقته مع نفسه ومع العالم من حوله. كلما ارتقى الإنسان في سلم الوعي، كلما تغيرت نظرته إلى الحياة، وتفكيره في القيم، وطريقة تعامله مع الآخرين. ولكن هذا الارتقاء لا يأتي دون ثمن، إذ غالبا ما يصاحبه فقدان لأشياء كانت يوما ما جزءا من عالمه القديم!! علاقات، عادات، قناعات، وحتى أشياء مادية مثل العمل أو الأموال!! وهنا تكمن المعضلة!! كيف يتعامل الإنسان مع هذا الفقدان؟ وكيف يحافظ على توازنه النفسي والفكري وهو يشهد تحولا جذريا في حياته!!

عندما يبدأ الإنسان في الارتقاء فكريا، فإنه يرى العالم بعيون جديدة. ما كان يبدو له مهما في الماضي قد يفقد قيمته!! وما كان يعتبره ثابتا قد يتحول إلى شيء نسبي!!. هذا التحول يجعله يشعر بفجوة بينه وبين محيطه القديم.!! قد يجد نفسه غير قادر على التواصل مع أشخاص كانوا يوما ما قريبين منه، لأنهم ما زالوا يعيشون في إطار الوعي الذي تجاوزه. وقد يفقد حتى أشياء مادية كانت تشكل جزءا من هويته، مثل عمله أو مدخراته.!! وهنا يبدأ الشعور بالوحدة!! ليس الوحدة الجسدية!! بل الوحدة الوجودية!! حيث يشعر أنه يعيش في عالم مختلف عن عالم الآخرين!!

هذه الوحدة قد تكون مؤلمة، خاصة إذا لم يكن الإنسان مستعدا لتقبلها. فالبعض قد يعيش في حالة من الحنين إلى الماضي، إلى العلاقات التي فقدها، أو إلى الذكريات التي لم تعد تناسبه. وهذا الحنين قد يتحول إلى عذاب نفسي إذا لم يتم التعامل معه بحكمة. فالإنسان الذي يرتفع بوعيه يجب أن يتعلم كيف يتصالح مع فكرة الفقدان!! سواء كان فقدانا لأشخاص، أو لعمل، أو لأموال، أو حتى لأحبة. عليه أن يفهم أن هذا الفقدان جزء طبيعي من عملية النمو. فكما أن الشجرة تفقد أوراقها القديمة لتخرج أوراقا جديدة!! كذلك الإنسان يفقد أشياء من ماضيه ليفسح المجال لأشياء جديدة تتوافق مع وعيه الجديد!!.

ولكن الخطر الحقيقي يكمن في أن بعض الناس، عندما يواجهون هذا العذاب، يختارون التراجع بدلا من المضي قدما. فهم يفضلون العودة إلى الوعي الأدنى، إلى العالم الذي يعرفونه، لأنه أكثر راحة وأقل الما!!ولكن هذه العودة هي في الحقيقة تراجع عن الذات، عن جوهر الإنسان الذي يسعى إلى النمو والتطور. فالإنسان الذي يختار العودة إلى الوعي الأدنى يخون نفسه، ويضحي بإمكاناته الكامنة من أجل الراحة المؤقتة.!!

لذلك، فإن التحدي الحقيقي للإنسان الذي يرتفع بوعيه هو أن يتعلم كيف يعيش في هذا العالم الجديد دون أن يفقد توازنه. عليه أن يتقبل فكرة أن الفقدان جزء من الرحلة، سواء كان فقدانا لأشخاص، أو لعمل، أو لأموال!!. عليه أن يدرك أن الارتقاء الفكري ليس مجرد تغيير في الأفكار!! بل هو تغيير في الوجود كل!!. وهو تغيير يتطلب شجاعة لتقبل الغربة عن العالم القديم!! والإيمان بأن العالم الجديد، رغم غرابته، هو عالم أكثر اتساعا وعمقا!!!

أضف تعليق